الثقافة والوعي

بقلم / عبدالعليم حريص

للثقافة عدة مضامين تشكل بها وعي أي إنسان أو مجتمع أو حتى حضارة بأكملها، ومن هذا المنطلق الراديكالي يمكننا القول بأن المقياس الحقيقي للحضارات هو الوعي، ولو أسقطنا ذلك على الأدب لتجلى لنا بكل سهولة مدى ما يعانيه الأدباء في خلق ثقافة مغايرة عن الوعي العام الذي شكل شخصيتهم وصبغ أفكارهم وجعلهم نسخة واحدة في أجساد متعددة، فلا فرق يلحظ بين أفراد مجتمع ما حين يتعلق الأمر بمكانتهم التي ولدوا بها، وكم يتمنون أن يستمروا عليها ويورثها لأبنائهم، ولكن الأديب يبادر بإيجاد ما لا يوجد من ثقافة لم يكن للوعي العام أثر فيها، ومن هنا يمكننا القول بأن هذا يعد عرفياً بالثقافة المضادة، يا لها من جملة مخيفة في مجتمعاتنا، ولكن وبقليل من التركيز نلاحظ أن الثقافة المضادة التي تتسق مع الثقافة العامة في جزء وتختلف في تطبيق، هي مقياس للحياة بأسرها، فكافة الأديان التي ظهرت للبشرية هي لا تعدو أن تكون ثقافة مضادة للسائد وقتها، ولكن تختلف باختلاف تطبيق هذه الثقافة المتبناة من قبل شخص أو جماعة، فلا تجود ديانة سماوية لا تأخذ الأساسيات من التي قبلها، وحتى قبل الأديان كانت القيم الإنسانية هي من تحرك المجتمعات ولكن وبعد فترة ما احتاج العالم لجمع القيم الخلقية والروحية في إطار واحد، هذا الإطار هو الدين، ومن منّا لا يدرك أهمية الدين وأثره في المجتمعات البشرية؟

أما في الأدب فالأمر يختلف لأن السائد كما قال طه حسين الأدب لا يخضع للأخلاق باعتبار أن الأخلاق تمثل الوعي العام الديني لأي مجتمع.

هذا على خلاف ما يعرف بالثقافة المضادّة على أنها ثقافة فرعية مشتركة بين مجموعة من الأفراد الذين يميزون أنفسهم بمعارضة واعية ومتعمّدة للثقافة السائدة. والظاهر أنّ هناك اختلافا بينها وبين الثقافة الفرعية، فحسب «موسوعة علم الإنسان» فإنّ الثقافة المضادّة، «ظاهرة تنمو في مواجهة المعايير والقيم التقليدية أو الخاصّة بالأغلبية، وترتبط بمعايير وقيم المجتمع أو جماعة اجتماعية بديلة، ولهذا تختلف الثقافة المضادّة عن الثقافة الفرعية التي ليست سوى تنويعة من الثقافة السائدة، ولكنّها ليست بالضرورة في تناقض ظاهر معها”.

Related Posts

ثلاثية الصمت والجنون والتجلي.. في أسفار عمر عبدالعزيز

مهيرة.. مريوم.. وفرح ود تكتوك.. بقلم/ عبدالعليم حريص تعد تجربة الدكتور عمر عبدالعزيز الروائية، حالة خاصة تميّز بها على مدار مشواره الإبداعي، حيث منحها الكثير من الوقت والمثابرة، ليجهد عقله…

ديوان وليد علاء الدين “أيها الموت العظيم”.. تأويل لمتون ترصد نقشاً بالحرف واللون على جدار الروح

بقلم/ عبدالعليم حريص تشكل تجربة وليد علاء الدين (الشعرية) حالة من التأويلات المفعمة بالأخيلة والقلق الأزلي، والتأملات الوجودية والإيمانية.. ما يجعلنا نقرّ بأننا في حضرة (حلّاج) جديد، يمتلك ناصية الكلم…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كل ما فاتك

بمشاركة 65 طفلاً من ذوي الإعاقة.. أوقات مُمتعة ومُفيدة في قافلة الصيف 2025

  • يوليو 14, 2025
  • 11 views
بمشاركة 65 طفلاً من ذوي الإعاقة.. أوقات مُمتعة ومُفيدة في قافلة الصيف 2025

ندوة الثقافة والعلوم تعلن أسماء الفائزين في جائزة الشعر العربي

  • يوليو 14, 2025
  • 22 views
ندوة الثقافة والعلوم تعلن أسماء الفائزين في جائزة الشعر العربي

ديفيد بيكهام.. يُسلّط الضوء على وجهاته المفضّلة في قطر

  • يوليو 14, 2025
  • 20 views
ديفيد بيكهام.. يُسلّط الضوء على وجهاته المفضّلة في قطر

“إدراك العالم.. الصور النمطية المُتبادَلة بين الأنا والآخر” كتاب جديد لزهير توفيق

  • يوليو 14, 2025
  • 20 views
“إدراك العالم.. الصور النمطية المُتبادَلة بين الأنا والآخر” كتاب جديد لزهير توفيق

الثقافة والوعي

  • يوليو 14, 2025
  • 39 views
الثقافة والوعي

طالب مصري يفوز بجائزة أفضل أسلوب أدبي في الصين

  • يوليو 14, 2025
  • 13 views
طالب مصري يفوز بجائزة أفضل أسلوب أدبي في الصين